سلمان المحمدي وأثره في فتوحات بلاد فارس
كفاح محمد ثجيل
تعلم فليس المرء يُخلَق عالمـــاً
وليـس أخو علمٍ كمن هو جاهلُ
وإنَّ كبيرَ القومِ لا عِـلْــــمَّ عندَّهُ
صغيرٌ إذا إنضَّمَتْ عليهِ المحافلُ
سلمان المحمدي وأثره في فتوحات بلاد فارس
كفاح محمد ثجيل
رئيس احصائيين
وزارة الصناعة والمعادن / الشركة العامة لصناعة الزيوت النباتية / مصنع المأمون
الملخص:
سنقوم في هذا البحث بدراسة حياة الصحابي الجليل سلمان المحمدي مستعرضين نبذة عن ولادته وحياته وتجواله في الأمصار بحثاً عن نور الهداية وحتى إسلامهِ، وأهم الغزوات التي شارك فيها ووظائفه في الجيش ودوره في الدعاية إلى الإسلام قبل الحرب فضلاً عن دوره في اختيار موقع الكوفة ووظيفته العسكرية في الجيش العربي الإسلامي ودوره في الدعاية والإنذار في الحروب.
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التحية على محمد وآله الاطياب، وعلى من أخلص الطاعة لهم من الأصحاب والتابعين.
إن الناظر في تاريخ نبينا الأعظم وأهل بيته عليه عليهم أفضل الصلاة والسلام يخلص الى قضية وهي: ان كل واحد من هذه الشخصيات الربانية كان بمثابة الشمس الساطع تحيط بها الكواكب المتناثره تستمد من فيض شعاعها ما تعكسه على المتحيرين من البشر وهم يسيرون في حنادس هذه الدنيا المظلمة.
ومن نجوم الهداية الزاهرة التي استنارت من منبعي النور النبوي والولوي سلمان الفارسي الذي كان بحق محمدياً في أخلاقه وسيرته وحسن جديلته. إن دراسة هؤلاء الرموز من الرجال، إنّما تصبح ضرورة ملحة، حينما تكون فرصة لاستيعاب كثير من المعاني البناءة، وللتعرف على حقائق الحياة، والوقوف على عميق أسرارها، من خلال دراسة فكر ورؤية، ثم حركة وموقف هؤلاء الرموز؛ ليكون ذلك رافداً ثرّاً للجانب العاطفي، ومسهماً في تعميق الوعي العقيدي، المهيمن على هذا الانسان في كل شؤونه، ومختلف أحواله وأطواره.
وليس ضرورياً دراسة حياة أي كان من الناس، إذا كانت هذه الدراسة تنطلق من مبدأ عبادة الاشخاص، وتسمح للانسان بالانسياق في متاهات التعظيم والتبجيل لهم دون هدف، وبلا ضابطة، أو معيار سوى إرضاء الهوى، والاستجابة إلى النزعات التي، لا تسمو بالانسان، بل هي تكبله بما شاءت من قيود، وحدود، وتشده إلى الاُرض؛ ليخلد إليها. وليتعامل ـ من ثم ـ مع كل شيء، بنظرة ضيقة، وعقلية متحجرة، وروح ممسوخة، وقاسية، وحتى حاقدة أيضاً. أما دراستنا لحياة سلمان المحمّدي فإننا لن نسمح إلا أن تتخذ طابع الاستفادة من التجربة الفاضلة، لتسمو بنا، ونسمو نحن بها، لتكون ربيعاً لنا نتخير من أزهاره، ونجني من أثماره، ونلتذ بأفانين تغريد أطياره.
ونكون نحن لها التجسيد الحي، والنموذج الفذ، والمثل الاُعلى لأن الاقتداء بهكذا أشخاص هو سبيلنا لإعلاء شأن وطننا ومذهبنا وأن لا نسمح لقضايا التاريخالتي لا يمكن حسم الأمر فيها أن تجعلنا ندور في متاهات لا طائل منها بل يجب استيحاء العبرة والفكرة من أي قضية أو شخصية قيد الدراسة والبحث.
ولذلك ولإكمال الاستفادة وتوجيه الضوء على حياة الصحابي الجليل سلمان المحمدي ارتأينا بداية أن نشرح مقتطفات من حياته ونسبه ورحلته في الأمصار إلى أن وصل إلى نورهداية محمد عليه أفضل الصلاة والسلام. ثم نأتي على ذكر دور سلمان في غزوة الخندق ورأيه في الدعايه الى الاسلام قبل الحرب ثم نشرح دور سلمان في قيادة الجيوش في زمن عمر وبعدها نعرج على دور سلمان في اختيار الكوفه مقرا للجيوش الاسلاميه وانتهاءا بذكر وفاته رضي الله عنه.
ذِكر سلمان المحمدي:
سلمان كما يصفه أبو نعيم في الحلية - سابق الفرس، ورائق العرس، الكادح الذي لا يبرح، والزاخر الذي لا ينزح، الحكيم، والعابد العليم، أبو عبد الله سلمان ابن الإسلام، رافع الألوية والأعلام، أحد الرفقاء والنجباء، ومن إليه تشتاق الجنة من الغرباء، ثبت على القلة والشدائد، لما نال من الصلة والزوائد (1).
ولعل هذا كله، إنما يشير إلى أن سلمان، رضوان الله عليه، إنما قد اتجه إلى الإسلام بكليته، وأنه كان يبحث عن الحقيقة، فوجدها في رسول الله، وفي الإسلام، واعتنق الدين الجديد، وخدمته من بدء دخوله فيه بإشارته بحفر الخندق، ورجل في مثل سلمان في جهده الذي بذله - عقلياً وروحياً وجسدياً ومادياً وبتجواله الطويل من فارس والشام والموصل ونصيبين وعمورية، وبلاد العرب، فضلاً عن تركه الراحة والرفاهية عند أسرته في أصفهان كما سيرد ذكره لاحقاً، رجل مثل هذا، لا بد أن يكون مسلماً مخلص الإيمان، لا تزعزعه الأنواء، ولا تؤثر في عقيدته الدينية مؤثرات مادية (وفي حلية الأولياء بسنده عن أبي بريدة عن أبيه، رضي الله تعالى عنهم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نزل علي الروح الأمين فحدثني أن الله تعالى يحب أربعة من أصحابي، فقال له من حضر، من هم يا رسول الله؟ فقال: علي وسلمان وأبو ذر والمقداد، وعن أنس بن مالك، رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: اشتاقت الجنة إلى أربعة: علي والمقداد وعمار وسلمان.
وفي الإستيعاب من حديث ابن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: أمرني ربي بحب أربعة، وأخبرني أنه سبحانه يحبهم، علي وأبو ذر والمقداد وسلمان.
وروى الإمام أحمد بسنده عن سفيان عن يونس عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا سابق العرب، وسلمان سابق فارس، وصهيب سابق الروم، وبلال سابق الحبش.
وكان سلمان من خيار الصحابة وزهادهم وفضلائهم، وذوي القرب من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الإستيعاب عن عائشة، رضي الله عنها قالت: كان لسلمان مجلس من رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى كاد يغلبنا على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وسئل علي عن سلمان فقال: علم العلم الأول والعلم الآخر، وهو بحر لا ينزف، وهو منا أهل البيت، وروى ابن الجوزي وابن سعد، أن عليا " قال فيه: ذلك امرؤ منا وإلينا أهل البيت، أدرك العلم الأول والعلم الآخر، وقرأ الكتاب الأول والكتاب الآخر، وفي الإستيعاب عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن علي رضي الله عنه، أنه سئل عن سلمان فقال: علم العلم الأول والآخر، بحر لا ينزف، وهو منا أهل البيت. وكان يلبس الصوف، ويركب الحمار ببرذغته بغير إكاف، ويأكل خبز الشعير، وكان ناسكاً زاهداً، فلما احتضر بالمدائن قال له سعد بن أبي وقاص: أوصني يا أبا عبد الله، قال: نعم، قال: اذكر الله عند همك إذا هممت، وعند لسانك إذا حكمت، وعند يدك إذا قسمت، فجعل سلمان يبكي، فقال له: يا أبا عبد الله ما يبكيك؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقوم: ((إن في الآخرة عقبة لا يقطعها إلا المخفون)) وأرى هذه الأوسادة[1] حولي، فلم يجدوا في البيت إلا إداوة وركوة ومطهر. وكان وهو والٍ على المدائن يخرج الى الجهاد والغزو قائداً ويرجع الى المدائن ....ففي تاريخ دمشق«أن سلمان الفارسي مر بجسر المدائن غازياً وهو أمير الجيش، وهو ردف رجل من كندة على بغل موكوف، فقال أصحابه: أعطنا اللواء أيها الأمير نحمله عنك فيأبى ويقول: أنا أحق من حمله، حتى قضى غزاته ورجع وهو ردف ذلك الرجل الكندي، على ذلك البغل الموكوف»! وكذلك مشاركته في غزوة بلنجر سنة 22 أي بعد 4 سنوات من حكمه المدائن.
وفي الطبقات: «عن رجل من عبد القيس قال: كنت مع سلمان الفارسي وهو أمير على سرية، فمر بفتيان من فتيان الجند فضحكوا وقالوا: هذا أميركم! فقلت: يا أبا عبد الله، ألا ترى هؤلاء ما يقولون؟ قال: دعهم، فإنما الخير والشر فيما بعد هذا اليوم»!
من هو سلمان المحمدي:
سلمان الفارسي أو سلمان المحمدي ( … ـ 36 هـ / … ـ 656م)، واسمه عندما كان ببلاد فارس روزبه وقيل "مابه بن يوذخشان" وأصله من منطقة أصبهان في إيران[1] هو صحابي دخل الإسلام بعد بحث وتقصٍّ عن الحقيقة، وكان أحد المميزين في بلاد فارس بلده الأصلي. دان بالمجوسية ولم يقتنع بها، وترك بلده فارس فرحل إلى الشام والتقى بالرهبان والقساوسة ولكن أفكارهم ودياناتهم لم تقنعه. واستمر متنقلا حتى وصل إلى الجزيرة العربية فالمدينة والتقى بالرسول محمد بن عبد الله فاعتنق الإسلام.
قصة إسلام سلمان المحمدي:
قال الإمام أحمد في مسنده: حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا أبي عن ابن إسحاق قال حدثني عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري عن محمود بن لبيد عن عبد الله بن عباس أنه قال حدثني سلمان الفارسي حديثه من فيه قال:
كنتُ رجلا فارسيا من أهل أصفهان من أهل قرية يقال لها (جَيْ)، وكان أبي ذهقان قريته، وكنت أحب خلق الله إليه، فلم يزل حبه إياي حتى حبسني في بيتي كما تحبس الجارية، وأجتهدت في المجوسية حتى كنت قَطِنَ النار الذي يوقدها لا يتركها تخبوا ساعة، قال: وكانت لأبي ضيعة عظيمة، قال: فشغل في بنيان له يوماً، فقال لي: يا بني إني قد شغلت في بنيان هذا اليوم عن ضيعتي فاذهب فاطلعها، وأمرني فيها ببعض ما يريد، فخرجت أريد ضيعته فمررت بكنيسة من كنائس النصارى فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون، وكنت لا أدري ما أمر الناس؛ لحبس أبي إياي في بيته، فلما مررت بهم وسمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون، قال: فلما رأيتهم أعجبني صلاتهم ورغبت في أمرهم، وقلت: هذا والله خير من الدين الذي نحن عليه، فوالله ماتركتهم حتى غربت الشمس وتركت ضيعة أبي ولم آتها، فقلت لهم: أين أصل هذا الدين؟ قالوا: بالشام، قال: ثم رجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كله، قال: فلما جئته، قال: أي بني. . أين كنتَ؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت؟ قال قلت: أي أبتي مررت بناس يصلون في كنيسة لهم فأعجبني ما رأيت من دينهم، فوالله مازلت عندهم حتى غربت الشمس، قال: أي بني. . ليس في ذلك الدين خير، دينك ودين آبائك خير منه، قال قلت: كلا، والله إنه خير من ديننا، قال: فخافني فجعل في رجلي قيداً ثم حبسني في بيته، قال: وبعثت إلى النصارى، فقلت لهم: إذا قدم عليكم ركب من الشام تجار من النصارى فأخبروني بهم، قال: فقدم عليهم ركب من الشام تجار من النصارى، قال: فأخبروني بهم، قال فقلت: إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة إلى بلادهم فآذنوني بهم، فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم أخبروني بهم، فالقيتُ الحديد من رجلي ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام، فلما قدمتها قلتُ: إني قد رغبت في هذا الدين وأحببت أن أعرف من أفضل أهل هذا الدين؟ قالوا: الاسقف في الكنيسة، قال: أكون معك أخدمك في كنيستك واتعلم منك وأصلي معك؟، قال: فادخل، فدخلت معه وكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها فإذا جمعوا إليه منها أشياء اكتنـزه لنفسه ولم يعطه المساكين، حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق، قال: وأبغضته بغضاً شديدا لما رأيته يصنع، ثم مات فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه، فقلت لهم: إن هذا كان رجل سوء يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها فإذا جئتموه بها إكتنزها لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئا، قالوا: وما علمك بذلك؟ قال قلت: أنا أدلكم على كنزه، قالوا فدلنا عليه، قال: فأريتهم موضعه، قال: فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبا وورقاً، فلما رأوه قالوا: والله لا ندفنه أبداً، وصلبوه ثم رجموه بالحجارة، ثم جاؤوا برجل آخر فجعلوه مكانه. قال سلمان: فما رأيت رجلا لا يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه أزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة ولا أدأب ليلا ونهارا منه. قال: فاحببته حباً لم أحبه من قبله، وأقمت معه زماناً، ثم حضرته الوفاة، فقلت له: يا فلان، إني كنت معك وأحببتك حبا لم أحبه من قبلك وقد حضرك ما ترى من أمر الله عز وجل، فإلى من توصي بي؟ وما تأمرني؟ قال: أي بني، والله ما أعلم أحداً اليوم على ما كنت عليه لقد هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه إلا رجلاً بالموصل، وهو فلان، فهو على ماكنت عليه فالحق به. قال سلمان: فلما مات وغيب لحقت بصاحب الموصل، فقلت له: يا فلان، إن فلان أوصاني عند موته أن ألحق بك وأخبرني أنك على أمره، قال فقال لي: أقم عندي، فأقمت عنده، فوجدته خير رجل على أمر صاحبه، فلم يلبث أن مات، فلما حضرته الوفاة قلت له: يافلان، إن فلان أوصى بي إليك وأمرني باللحوق بك وقد حضرك من أمر الله عز وجل ما ترى، فإلى من توصي بي؟ وتأمرني؟ قال: أي بني والله ما أعلم رجلاً على مثل ما كنا عليه إلا رجل بنصيبين ديننا وهو فلان فاللحق به، قال سلمان فلما مات وغيب لحقت بصاحب نصيبين فجئته فأخبرته بخبري وما أمرني به صاحبي، قال: فأقم عندي، فأقمت عنده، فوجدته على أمر صاحبيه فأقمت مع خير رجل، فوالله ما لبثت أن نزل به الموت فلما حضر قلت له: يا فلان، إن فلان كان أوصى بي إلي فلان ثم أوصى بي فلان إليك فإلى من توصي بي؟ وتأمرني؟ قال أي بني، والله ما نعلم أحدا بقي على أمرنا آمرك أن تأتيه إلا رجلاً بعمورية، فإنه بمثل ما نحن عليه، فإن أحببت فأته فإنه على أمرنا. قال سلمان: فلما مات وغيب لحقت بصاحب عمورية وأخبرته خبري، قال أقم عندي فاقمت مع رجل على هدي أصحابه وأمرهم واكتسبت حتى كان لي بقرات وغنيمة، قال ثم نزل به أمر الله عز وجل فلما حضر قلت يا فلان إني كنت مع فلان فأوصى بي إلى فلان ثم أوصى بي فلان إلى فلان ثم أوصى بي فلان إليك، فإلى من توصي بي وما تأمرني، قال: أي بني والله ما أعلمه أصبح على ما كنا عليه أحد من الناس آمرك أن تأتيه، ولكنه قد أظلك زمان نبي هو مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب مهاجراً إلى أرض بين حرتين بينهما نخل به علامات لا تخفى، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة بين كتفيه خاتم النبوة، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل. قال سلمان: ثم مات وغيب فمكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث، ثم مرَّ بي نفر من بني كلب تجار، فقلت لهم: تحملوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي؟ قالوا نعم، فأعطيتهم البقر والغنيمات، وحملوني حتى إذا قدموا بي وادي القرى ظلموني فباعوني على رجل من اليهود عبداً، فمكثت عنده ورأيت النخل ورجوت أن تكون البلد الذي وصف لي صاحبي، ولم يحق لي في نفسي، فبينما أنا عنده قدم عليه ابن عم له من المدينة من بني قريظة فابتاعني منه فاحتملني إلى المدينة، فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي لها، فأقمت بها وبعث الله رسوله محمداً، فاقام بمكة ما أقام لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق، ثم هاجر إلى المدينة، فوالله إني لفي رأس عتق أعمل فيه بعض العمل، وسيدي جالس، إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه، فقال يا فلان قاتل الله بني قيلة - يعني الأنصار- والله إنهم الآن لمجتمون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم يزعمون أنه نبي. قال سلمان: فلما سمعتها أخذتني العرواء - يعني الرعدة- حتى ظننت سأسقط على سيدي، قال ونزلت عن النخلة فجعلت أقول لابن عمه: ماذا تقول؟ ماذا تقول؟ قال فغضب سيدي فلكمني لكمة شديدة، ثم قال مالك ولهذا أقبل على عملك، قلت لا شيء إنما أردت أن أستثبت عما قال. قال سلمان: وقد كان عندي شي قد جمعته فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت به إلى رسول الله وهو بقباء فدخلت عليه، فقلت له: إنه قد بلغني أنك رجل صالح ومعك أصحاب لك غرباء ذو حاجة وهذا شيء كان عندي للصدقة فرأيتكم أحق به من غيركم، قال: فقربته إليه، فقال لأصحابه: كلوا وأمسك يده فلم يأكل، قال سلمان: فقلت في نفسي هذه واحدة، ثم أنصرفت عنه فجمعت شيئاً، وتحوَّل رسول الله إلى المدينة، ثم قال سلمان جئته به فقلت: إني رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية أكرمتك بها، قال: فأكل رسول الله منها وأمر أصحابه فأكلوا معه، قال فقلت في نفسي: هاتان إثنتان، ثم جئت رسول الله وهو ببقيع الغرقد وقد تبع جنازة رجل من أصحابه عليه شملتان له وهو جالس في أصحابه فسلمت عليه ثم أستدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي، فلما رآني رسول الله استدرت عرف أني استثبت في شيء، فالقى ردائه عن ظهره فنظرت إلى الخاتم فعرفته، فانكببت على رسول الله أقبِّله وأبكي، فقال لي رسول الله: تحوَّل فتحولت، فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا ابن عباس، قال فاعجب رسول الله أن يسمع ذلك أصحابه. ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع الرسول بدر وأحد، قال: ثم قال لي رسول الله: كاتب يا سلمان، فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها له بالفقير وبأربعين أوقية، قال رسول الله: أعينوا أخاكم فأعانوني بالنخل الرجل بثلاثين ودية والرجل بعشرين والرجل بخمس عشر والرجل بعشر يعني الرجل بقدر ما عنده حتى اجتمع لي ثلاثمائة ودية، فقال لي رسول الله: اذهب يا سلمان ففكر لها فإذا فرغت فأتني فاكون أنا أضعها بيدي، ففكرت لها وأعانني أصحابي حتى إذا فرغت منها جئته فاخبرته فخرج رسول الله إليها فجعلنا نقرب له الودي ويضعه رسول الله بيده فوالذي نفسي بيده ما ماتت منها ودية واحدة، فأديت النخل وبقي علي المال، فأتي رسول الله بمثل بيضة الدجاجة من ذهب فدُعيت له، فقال: خذ هذه فأدِّي بها ما عليك يا سلمان، فقلت: وأين تقع هذه يا رسول الله مما علي، قال خذها فإن الله سيؤدي بها عنك، قال: فأخذتها فوزنت لهم منها والذي نفس سلمان بيده أربعين أوقية، فأوفيتهم حقهم وعتقت، وشهدت مع رسول الله الخندق ثم لم يفتني معه مشهد.
طريق رحلة سلمان الفارسي قبل وصوله إلى يثرب
الكم المعرفي لسلمان المحمدي:
ولا يخفى على أحد ما للتواصل الاجتماعي والسفر واختلاط الثقافات والأديان للشعوب المختلفة في ما بينها باللغة وتكوين السكان والجغرافية من أثر في سلوكيات الإنسان ومداه المعرفي والفلسفي وكذلك قراراته المتعلقة بشؤون حياته ومعيشته أو قراراته الوظيفية أو القيادية أو الإدارية التي يضطلع بها فنجد أن العرب نظراً لمعيشتهم في طبيعة صحراوية وبدوية إن طباعهم وقراراتهم في الحياة عامة والحروب خاصة تعكس هذه الطبيعة وهذا الجو القاسي بينما نجد الشعوب المتمدنة والتي تعيش في المدن المزروعة التي تقع على الأنهر ولها سهول خضراء يمارسون مهن مختلفة لا يعرفها العرب ولهم مهارات تختلف كلياً عن تلك التي عند البدو.
هنا نجد تأثير الأسفار على سلمان المحمدي أولاً لأنه ولِدَ وعاش في بلاد فارس ودان بالمجوسية ثم تنقل بين الأمصار بحثاً عن دين الهداية فمرة نجده في نصيبين وثانية في عمورية وبعدها إلى جزيرة العرب ودان بعدة أديان وتنقل من حضن الأب إلى جحر الرق وأخيراً إلى نور الإسلام والهداية لذلك ولتأثير كل ما سبق حصل سلمان المحمدي على خبرة وعلم واسعين، فمثلاً علم التأريخ لم يكن معروفاً انذاك وإنما كان عبارة عن حوادث تحمل في صدور الرجال كما هي عادة الرواة من العرب لأقاصيصهم وتؤخذ أخبار الأنبياء وفراعنة عصورهم من الأسفار السماوية الصادقة أو من أخبار النبي الصادق لذلك حكي سلمان أخبار الأمم السالفة وأخبار الأنبياء.ولكونه دان بعدة اديان الى ان وصل الى دين الاسلام استطاع ان يستوعب عظمة الاسلام ليكون مثال المؤمن الحقيقي الذي استطاع ان ينقل معرفته بالاسلام الى الفرس عند الفتوحات الاسلاميه لبلاد فارس واثناء امارته للمدائن.
هنا نجد أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يركن إلى سلمان بعد عتقه ويختلي به ليلاً يباحثه ويسأله حتى ضاقت نساءه واشتكين من ترك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لهن واختلاءه بسلمان.
ثم جاءت نصيحته في غزوة الأحزاب بحفر الخندق ولا يخفى على أحد ما لأثر هذه المشورة على رفعة الإسلام وإنتشاره.
سلمان وغزوة الخندق:
في غزوة الخندق جاءت جيوش قريش إلى المدينة مقاتلة تحت قيادة أبي سفيان، ورأى المسلمون أنفسهم في موقف عصيب، وجمع الرسول أصحابه ليشاورهم في الأمر، فتقدم سلمان وألقى من فوق هضبة عالية نظرة فاحصة على المدينة، فوجدها محصنة بالجبال والصخور محيطة بها، بيد أن هناك فجوة واسعة يستطيع الأعداء اقتحامها بسهولة، وكان سلمان قد خبر في بلاد فارس الكثير من وسائل الحرب وخدعها، فتقدم من الرسول واقترح أن يتم حفر خندق يغطي جميع المنطقة المكشوفة حول المدينة، وبالفعل بدأ المسلمون في حفر هذا الخندق الذي صعق قريش حين رأته، وعجزت عن اقتحام المدينة. وخلال حفر الخندق اعترضت معاول المسلمين صخرة عاتية لم يستطيعوا فلقها، فذهب سلمان إلى الرسول مستأذناً بتغيير مسار الحفر ليتجنبوا هذه الصخرة، فأتى الرسول مع سلمان وأخذ المعول بيديه، وسمى الله وهوى على الصخرة فاذا بها تنفلق ويخرج منها وهجاً عالياً مضيئاً وهتف الرسول مكبراً: "الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس، ولقد أضاء الله لي منها قصور الحيرة، ومدائن كسرى، وإن أمتي ظاهرة عليها" ثم رفع المعول ثانية وهوى على الصخرة، فتكررت الظاهرة وبرقت الصخرة، وهتف الرسول: " الله أكبر أعطيت مفاتيح الروم، ولقد أضاء لي منها قصور الحمراء، وإن أمتي ظاهرة عليها " ثم ضرب ضربته الثالثة فاستسلمت الصخرة وأضاء برقها الشديد، وهلل الرسول والمسلمون معه وأنبأهم أنه يبصر قصور سورية وصنعاء وسواها من مدائن الأرض، وصاح المسلمون "هذا ما وعدنا الله ورسوله، وصدق الله ورسوله".
رأي سلمان في الدعاية إلى الإسلام قبل الحرب:
ليست الدعاية قبل إشهار الحرب من الآراء المبتكرة ولا ناشئة من قبل التفكير وإنما هي تعاليم دينية وتشريع إسلامي وخير التعاليم تعاليم القرآن ومن نزل عليه القرآن نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فيقول الله تعالى: ((وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ)) فأعلمه أن المنابذة بعد الإخطار وأن المفاجأة والمبادهة بالحرب خيانة، وإن عدّه الجبابرة والمتمردون من مكايد الحرب التي هي خدعة ويقول الله تعالى: ((فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ)).
أما النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكان يأمر كل قائد وكل أمير من أمراء السرايا في حرب مشركي العرب أن يدعوهم أولاً إلى الإسلام فإذا امتنعوا قاتلهم واستعان بالله عليهم لأنه مشرك لا يقبل من العرب الإسلام أو الحرب، وبهذا نزل القرآن المجيد، وفي حرب أهل الكتاب أن يدعوهم أولاً إلى الإسلام فإذا امتنعوا فإلى إعطاء الجزية وإقرارهم على دينهم، وإن امتنعوا حاربهم، كما أمر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يوم خيبر حين أعطاه الراية بعد أن لم يستلمها احد غيره، فقال له: يا علي أنفذ بها على رسلك حتى تدعوهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله فإن امتنعوا فادعهم إلى الجزية، فإن امتنعوا فقاتلهم واستعن بالله، حسب ما ذكره المؤرخون والفقهاء في الكتب الفقهية.
القيادة في الحروب الإسلامية في عهد عمر:
كم أغفل التاريخ من عظماء لم يذكر لهم شيئاً من أخبارهم في غزوات الرسول صلى اله عليه وآله وسلم وكذلك هو سلمان الفارسي فقد أغفله التاريخ في الغزوات التي شهدها غير الخندق ولكن جعله في الفتوحات الإسلامية في صف القوّاد ولكن لم يعطنا عنه تفاصيلاً كما نريد أو كما هو شأن التأريخ السياسي والاجتماعي، وعلينا أن نلم بما أعطانا من صفة وهي وإن كانت ناقصة لكنها كافية في بيان شخصية الرجل وأنه بطل من أبطال المسلمين وإن كان أجنبي المنشأ لكنه عربي الدين والجنسية والتابعية، يجاهد عن عز الإسلام ويجالد على ترقية الدين ويحافظ على مجد العروبة ويدأب في توسيع نطاق الامبراطوريه العربية، وخذ بعض الآثار الواردة في قيادة سلمان لجيوش عربية إسلامية، ومن الذي يرتاب فيه أنه شهد أمهات الوقائع الإسلامية بالعراق كالقادسية والمدائن وجلولاء، وطارد الفرس في بلادهم في جملة من طاردهم من قواد العرب وأغلا في فيلقه في قلب فارس.
وأظنك تحب أن تنظر قائد الفيلق وتباذخه وتنظر أمير اللواء فترى لباسه الرسمي وحسن نسجه وإتقان خياطته فتتفرج على القمصلة والبنطلون والسترة الفائقة، وتحب أن تلمح مركبه وسرجه المنظم وسلاحه المحلى عادة كل قائد عسكري، وتجد قائدنا الفارسي رديفاً لجندي مرة ومنفرداً مرة أخرى على حمار أو بغل بلا سرج ولا لجام، ولا تحتقر مثل هذا القائد فإن هذا الابتذال عزة، وهذا التواضع رفعة، ولو كان حقارة وسقوطاً لكان أولى به من ولاه فإن عمر بن الخطاب يلبس المرقعة بتسعة عشر لوناً مختلفة من أحمر وأصفر وأبيض إلى آخر الألوان ويفترشها وينام في المسجد أو على التراب إذا كان ملتحفاً لها، هذه عظمة الإسلام وهذا التواضع له فإن الواحد من أمثاله إذا عزل عن الوظائف ارتقى بدينه وتقواه إلى ما يسمو على تلك الوظيفة وغيرهم من أرباب التباذخ بالرتبة والتعاظم بالوظيفة إذا فصل عن وظيفته عاد إلى مهنة أبيه، وربما كانت مهنة الأب الحياكة أو الحلاقة، وقلّ من يرجع إلى شرف ونبل.
قال ابن عساكر الشافعي في تاريخه: مرّ بجسر المدائن غازياً وهو أمير الجيش وهو ردف رجل من كندة على بغل موكوف، فقال أصحابه: أعطنا اللواء أيها الأمير نحمله عنك، فأبى وقال: أنا أحق من حمله، ومضى حتى قضى غزاته ورجع وهو ردف ذلك الكندي على بغله الموكوف حتى قطع جسر المدائن عائداً إلى الكوفة.
رأي سلمان في اختيار الكوفة مقراً للجيوش الإسلامية:
إن الجيوش الغازية تحتاج بطبيعتها إلى مقر للقيادة العليا توزع منه الجنود على المناطق الحربية، وترسل منه الأمداد إلى المراكز المحتاجة إلى الإمداد، وتعود عند الاستغناء عنها إلى مقرها للإستراحة، وعمل التمارين الحربية وتعليم كيفية الرماية والمسابقة للفرسان والمشاة وكيفية الهجوم والدفاع وكيفية الإنسحاب بانتظام إذا خيف التطويق أو قطع خط الاتصال بين قطعات الجيش أو خيف اختزال بعض الوحدات، ولا بد أن يكون مقر القيادة واسعاً فسيحاً لا يضيق عن الفيالق إذا كثرت وأن يكون برياً بحرياً لتمخر سفن الجيش في عباب البحر أو النهر، وتغير خيوله في بره، ولا بد أن تكون البقعة التي تكون مقراً للقيادة العليا ذات ريف وحسنة المناخ وسهلة الاتصال بواسطة طرقها بالمدن لتحمل إليها الميرة والأرزاق للجيش في السفن والجمال وسائر حيوانات النقل، ولا بد لمن يرشح لارتياد موضع صالح لمقر القيادة العليا أن يكون خبيراً ماهراً بالفنون الرياضية من الهندسة والحساب والجغرافية وخصيصاً بعلم الطبائع، وممن درس الشؤون العسكرية حتى يعرف ما يوافقها ويليق بها ويصلح مقراً لقيادتها، وأن يعرف درجات الحرارة والبرودة فيختار موضعاً معتدلاً، ثم تكون له دراية كافية بقلة الحشرات المؤذية والمسببة للأمراض الخطرة وأمثال ذلك مما هو مشروح تفصياً في علوم الأنظمة العسكرية حيث إن الجيش لا بد فيه من فرق رياضية وخبراء صحيين.
ولما عرفنا أن حذيفة بن اليمان وسلمان الفارسي قد رشحا لهذا الاختيار واختيرا لهذه المهمة دون سائر الصحابة والتابعين علمنا أنهما كانا محل اعتماد الجميع في اتقان هذه الصنعة، وإن اختيارهما هو الملائم للأذواق الصحية وللإرادة الصادرة في محل القيادة العظمى.
ذكر الطبري عن محمد وطلحة وأصحابهما قالوا: كتب عمر إلى سعد: أنبئني ما الذي غير الوان العرب ولحومهم؟
فكتب إليه: إن العرب خدّدهم وكفى الوانهم وخومة المدائن ودجلة.
فكتب إليه: إن العرب لا يوافقها إلا ما يوافق إبلها في البلدان، فابعث سلمان رائداً أو حذيفة، وكانا رائدي الجيش فيرتاداٍ منزلاً برياً بحرياً ليس بيني وبينكم فيه بحر ولا جسر.
فخرج سلمان حتى يأتي الأنبار فسار في غربي الفرات لا يرضى شيئاً حتى أتي الكوفة، وخرج حذيفة في شرقي الفرات لا يرضى شيئاً حتى أتي الكوفة والكوفة على حصباء، وكل حصباء ورمل هكذا مختلطين فهو كوفة، فأتيا عليها وفيها ديرات ثلاث: دير حرقة ودير أم عمرو ودير سلسلة، وخصاص خلال ذلك فأعجبهما البقعة فنزلا فصليا، وقال كل واحدٍ منهما: اللهم رب السماوات والبحار وما جرت الشياطين وما أظلت والخصاص وما أجنت بارك لنا في هذه الكوفة واجعله منزل ثبات، وكتب إلى سعد بالخبر الخ.
وقد شهد سلمان هذه الغزوة وحفظ سائر التعاليم النبوية، وبهذه أيضاً نزل القرآن الكريم وقد قرأه سلمان وعرف تأويله، وخذ نص الدعاية بلفظه التأريخي:
روى أبو نعيم الحافظ الأصفهاني الشافعي في تأريخ أصفهان عن أبي البختري أن جيشاً من جيوش المسلمين كان أميره سلمان الفارسي فحاصروا قصراً من قصور فارس، فقيل: يا أبا عبد الله! ألا تنهد إليهم؟
قال: دعوني أدعوهم كما سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعوهم.
قال: فأتهم سلمان فقال لهم: إنما أنا رجلٌ منكم فارسي، ترون العرب تطيعني، فإن أسلمتم فلكم مثل الذي لنا وعليكم مثل الذي علينا، وإن أبيتم إلا دينكم تركناكم عليه وأعطيتمونا الجزية عن يدٍ وأنتم صاغرون.
قال: فرطن لهم بالفارسية وأنتم غير محمودين، وإن أبيتم نابذناكم على سواء.
زاد في حلية الأولياء: فقالوا له: ما نحن بالذي نؤمن وما نحن بالذي نعطي الجزية ولكنا نقاتلكم.
قالوا: يا أبا عبد الله! ألا تنهد إليهم؟
قال: لا.
فدعاهم ثلاثة أيام إلى مثل هذا، ثم قال: أنهدوا إليهم، فنهدوا إليهم.
قال: ففتحا ذلك الحصن، انتهى.
هذه الزيادة في الحلية دون التأريخ مع إن الروايتين عن أبي البختري. وقال في الحلية: رواها عطاء.
ويختصرها الحافظ ابن كثير الدمشقي الشافعي ويعين موضع القصر، ونصه في البداية والنهاية: فلما جاء سعد بالجيش دعا أهل القصر الأبيض ثلاثة أيام على لسان سلمان الفارسي، فلما كان اليوم الثالث نزلوا منه وسكنه سعد واتخذ الإيواء مصلى، وحين دخله تلى قوله تعالى: ((كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ۞ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ۞ وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ ۞ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آَخَرِينَ)) ثم تقدم إلى صدره فصلى ثمان ركعات صلاة الفتح، الخ.
والإيوان هو إيوان كسرى المعروف اليوم بطاق كسرى، ويظهر أن هذه القصة غير الأولى لأن تلك تخبر أنه كان أميراً مستقلاً وهذه تخبر أنه كان تحت إمرة سعد، فهما إذاً واقعتان أحدهما في القصر الأبيض بالمدائن والأخرى في قصرٍ آخر.
وظيفة عسكرية لسلمان الفارسي في الجيش العربي الإسلامي:
وهي مديرية الحسابات، وهذه شعبة من وزارة الدفاع يتولى شؤونها موظف مدني وهو مدير الحسابات العسكرية وهذه الوظيفة تتحد مع القيادة لأن الموظف لها لابد أن يكون عسكرياً وتتحد مع الولاية في وقت وتنفرد عنها في وقت آخر، وهي أنه لو كانت الإدارة بيد عسكري في أوقات الحرب اتحدت معها لأن الوالي عسكري في هذا الوقت وإن كانت الإدارة بيد ملكي انفصلت عنها لأن الملكي لا يتوظف في الدفاع إلا بإرادة عليا ملكية.
واستلم سلمان هذه الوظيفة حين كان ضابطاً في الجيش العربي الإسلامي الفاتح عند القائد العام للقوات الإسلامية في الجبهة الفارسية سعد بن أبي وقاص مجلس الحسابات لتوزيع الغنائم على الغانمين، ويكون هذا بدلاً عن الراتب الشهري الذي يتقاضاه الجندي من بيت المال خزينة الدولة فإنه بحكم الدين الإسلامي يقسم على الغانمين بعد عزل الخمس منه.
قال ابن كثير الدمشقي في البداية والنهاية وهو يذكر الغنائم العظيمة التي غنمها المسلمون من مدائن كسرى وفيها يقول: وكان فيما ردت السرايا أموال عظيمة وفيها أكثر أثاث كسرى وأمتعته والأشياء النفيسة التي استصحبوها معهم فلحقهم المسلمون فاستلبسوها منهم ولم تقدر الفرس على حمل البساط لثقله عليهم، ولا حمل الأموال لكثرتها، فإنه كان المسلمون يجيئون بعض تلك الدور فيجدون البيت ملئاناً إلى أعلاه من أواني الذهب والفضة ويجدون من الكافور شيئاً كثيراً فيحسبونه ملحاً، وربما استعمله بعضهم في العجين فوجدوه مراً حتى تبينوا أمره فتحصل الفيء على أمر عظيم من الأموال، وشرع سعد فخمسه وأمر سلمان الفارسي فقسم الخمسة أرباع بين الغانمين فحصل كل واحدٍ من الفرسان إثنى عشر ألفاً وكانوا كلهم فرساناً ومع بعضهم جنائب الخ.
وظيفة سلمان في الجيش الدعاية والإنذار:
كان سلمان موظفاً عسكرياً في الجيش العربي الإسلامي بوظيفة الدعاية والإخطار حيث لم تكن المخابرات البرقية ولا الطائرات الجوية فتلقي مناشير الإنذار على المدينة الثائرة في وجه الجيش، وقد كانت بعض المدن كما هي اليوم بعد انسحاب حكومتها عنها وإسلامها إياها لخطر العدو الغازي تتمرد وتلقي بنفسها في النار الحامية نار السلاح المستعرة وتغمض عينها وتطبق جفنها على تلك الإضرارات المحيطة بها طمعاً بعودة حكومتها المتحطمة أو التئام جيوشها المبعثرة والفاتح يرى أن الذي أوقعها في ذلك الجهل والإغترار فرعايةً للإنسانية وقياماً بالواجب حق البشرية إنذار هذه المدينة المغرورة الغارقة في غيها فتلقي الدولة المتمدنة بوساطة الطائرات عليها مناشير الإنذار لتخرج من حراجة ظلمها، أما الدول القديمة الفاقدة لهذه الوسائل فترسل للإخطار والإنذار بقرب الخطر رجلاً حازماً خبيراً يُعرفهم جهلهم وغرورهم، وهذا ما وظف له سلمان في الجيش الغازي لبلاد فارس.
قال ابن الأثير في تاريخه في حرب المدائن: وكان سلمان الفارسي رائد المسلمين وداعيتهم، دعا أهل بهر سير ثلاثاً وأهل القصر الأبيض ثلاثاً الخ.
سبب عدم ذكر رواة السلطة لدور سلمان في الفتوحات لبلاد فارس:
بعد أن فتح العرب البلاد، واستجاب لدعوة الاسلام العباد، وارتبط الناس من غير العرب بكثير من القبائل العربية برابطة الولاء، ورأى العرب: أنهم المنتصرون، وأنهم المتفضلون، وأنهم يملكون جميع مصادر القوة، وقد ذل لهم العزيز، وضعف لديهم القوي. فانهم قد بدأوا يعاملون هؤلاء الناس من موقع السيادة والهيمنة، والإستئثار، والغطرسة، والاستهتار.
ولم يقتصر الامر في ذلك على الحكام، بل قد تعداهم إلى مختلف فئات الشعب، وطبقاته. حتى لقد ظهرت آثار ذلك في الفتاوى الفقهية، والنظريات العقائدية لدى كثر من الذين تصدوا للفتوى، وللتنظير في مجال الاعتقادات.
وقد حفظ التاريخ لنا الكثير الكثير، مما يثبت حقيقة هذه النظرة، ويعطي صورة واضحة عن هذا التعامل القبيح، والرذل، سواء على مستوى السياسة المعتمدة والمدروسة في واقع الحكم، أو على مستوى التعامل العفوي، واليومي لدى عامة الناس، وفي مختلف المواضع والمواقع.
ولقد ادرك سلمان حقيقة ان لابدّ له من يتجه نحو صانع الوجود ومبدعه، ومسيّره ومدبّره، والعارف بكل الاسرار والدقائق، والاثار والحقائق؛ لانه وحده العالم بكل النظم والضوابط، التي تهيمن على مخلوقاته، وتحكمها، ويعرف حقيقة تأثير وتأثر كل شيء في أي شيء، وكيفية ذلك ومداه، ونوعه، ومستواه ـ نعم لابدّ وأن يتجه إليه ؛ فيمتثل أوامره، وينتهي بنواهيه، التي ابلغه اياها الانبياء والرسل، الذين اقيمت حجتهم، وظهرت معجزتهم.
وهذا فقط، هو السبيل الوحيد، والطريق الاسلم، الذي يمكّن الانسان من أن يكمل مهمته، في الحصول باختياره وارادته، على خصائصه الانسانية الإلهية، ويجعله يهيمن عليها، ويوازن بينها، ويحفظ لها تعادلها، وخطها الصحيح، بعيداً عن كل السلبيات، والاخطار، بلا زيف، ولا حيف، ولا تضليل، ولا خداع.
ووجد أن الاسلام هو الذي وهبه انسانيته، وخصائصها الملكوتية ؛ فهو الاب الحقيقي له ـ أما الاب النسبي؛ فلربما يكون قد ساهم ـ عن عمد، أو عن غير عمد في تشويه ذاته، وفي ابقائه في مستوى الحيوان الاعجم، وابعاده عن الكمال، الذي أهله الله لاُن يصل إليه، ويحصل عليه. وهذا هو السر في أنه كان إذا قيل له: من أنت؟ قال: أنا سلمان ابن الاسلام وكان دائما يقول ,ما أعرف لي أبا إلاّ الاسلام، مما تقدم ولكون سلمان فارسيا فقد خفى رواة السلطة دور سلمان في الفتوحات والمفاوضات مع الفرس! وتتعجب عندما تقرأ في معركة القادسية وفتح المدائن وغيرها أن الملك يزدجرد أو رستم طلبوا من المسلمين أن يرسلوا لهم ممثلاً ليتفاوض معه، فأرسلوا المغيرة بن شعبة، أو وفداً من فلان وفلان وبعضهم حديثوا الإسلام، ووصفوا لباسهم وذهابهم وحديثهم مع يزدجرد ورستم، ورجوعهم، ولم يذكروا سلمان مع أنه كان «رائد المسلمين وداعيتهم» الرسمي بمرسوم الخليفة عمر، وغاية ما ذكروه أن قالوا: «كان رائد المسلمين سلمان الفارسي، وكان المسلمون قد جعلوه داعية أهل فارس. وقد كانوا أمروه بدعاء أهل بهرسير. وأمروه يوم القصر الأبيض فدعاهم ثلاثاً ». (الطبري).
قال الطبري : «فانتهينا إلى القصر الأبيض وفيه قوم قد تحصنوا، فأشرف بعضهم فكلَّمَنا، فدعوناهم وعرضنا عليهم فقلنا:ثلاث تختارون منهن أيتهن شئتم. قالوا: وما هن؟قلنا:الإسلام فإن أسلمتم فلكم ما لنا وعليكم ما علينا. وإن أبيتم فالجزية، وإن أبيتم فمناجزتكم حتى يحكم الله بيننا وبينكم. فأجابنا مجيبهم: لا حاجة لنا في الأولى ولا في الآخرة ولكن الوسطى.
ورغم انه اشترك في جميع المعارك في عهد النبوة ثم في معارك فتح العراق على عهدي الشيخين ابو بكر وعمر الا انه لم تذكر له مآثر مذكورة في الحروب لانه لم يكن معدودا في المقاتلين يمكن ان يعود ذلك لكون سلمان الفارسي هو احد الاركان الاربعة للصحابة الكبار الذين انحازوا الى علي بن ابي طالب، فكانوا معه، هم المؤسسين الاوائل للتشيع وهم ابوذر الغفاري وعمار بن ياسر ويختلفون على الرابع فيذكر بعضم المقداد. بن عمرو وبعضهم حذيقة بن اليمان – ولهذا الاختلاف في الرابع والاتفاق على الثلاثة دلالة تتصل بشخصية المقداد وحذيقة – ذلك ان المقداد مع شدة موالاته للامام علي كان معدودا من اغنياء الصحابة الذين استفادوا من عوائد الفتوحات. – اما حذيقة فقد انهمك في ادارة البلدان المفتوحة الى حدود يمكن ان تكون شغلته عن متابعة قضيته المشتركة مع الامام علي بنفس المستوى الذي كان عليه سلمان وابو ذر وعمار. هذا مع كونه حذيقة لم يؤثر عنه تمسك بالفقر يضارع مع ما عرف به الثلاثة وانه لم يشتهر بالغنى ايضا.
وفاته:
كان سلمان يملك شيئا يحرص عليه كثيرا، ائتمن زوجته عليه، وفي صبيحة اليوم الذي قبض فيه ناداها هلمي خبيك الذي استخبأتك فجاءت بها فإذا هي صرة مسك أصابها يوم فتح جلولاء، احتفظ بها لتكون عطره يوم مماته، ثم دعا بقدح ماء نثر به المسك وقال لزوجته انضحيه حولي، فإنه يحضرني الآن خلق من خلق الله، لا يأكلون الطعام وإنما يحبون الطيب فلما فعلت قال لها اجفئي علي الباب وانزلي ففعلت ما أمر، وبعد حين عادت فإذا روحه قد فارقت جسده، وكان ذلك في عهد عثمان بن عفان. وقد تولى دفنه والصلاة عليه وتجهيزه علي بن ابي طالب وقد حضر عنده قادما من المدينة إلى المدائن في العراق. مقامه يقعان في مدينة المدائن على بعد 2 كيلو متر من نطاق كسرى وقد سمي المقام باسم "سلمان باك" اي "سلمان الطاهر"، وهو قريب من مشارف بغداد العراق، وقبره عليه قبة ومسجد وصحن كبير، وبجانبه قبر للصحابي حذيفة بن اليمان.
المصادر
1. الطبرسي، الحاج الميرزا حسين نوري ، نفس الرحمن في فضائل سلمان.
2. الطبري، ابي جعفر محمد بن جرير، تاريخ الطبري تاريخ الامم والملوك.
3. العاملي، السيد جعفر مرتضى، سلمان الفارسي في مواجهة التحدي.
4. الكوراني، الشيخ علي، سلمان المحمدي في الفتوحات الاسلامية.
5. المسعودي، أبي الحسن علي بن الحسين، مروج الذهب ومعادن الجوهر.
6. المظفر، الشيخ عبد الواحد ، سلمان المحمدي أبا عبد الله الفارسي.
7. مواقع مختلفه من الانترنت
[1] الأوسادة، والأوساد: ج السواد: بمعنى الشخص وكل شيء من متاع وغيره.